كان هشام عبّاس علامة فارقة في طفولتنا الموسيقية، فطبع في ذاكرتنا وجوده على الدوام، إما منفردًا أو بالتعاون مع فنانين آخرين – كما حصل في أغنية “عيني” مع الفنان حميد الشاعري – فأغنيته “ناري نارين” مثلًا، رغم أنها كانت من أعماله الرديئة إلا أننا حفظناها حتى مع الجزء الهندي فيها. كانت هذه الأغنية تعكس جزءا كبيرًا من شخصية هشام عباس الذي اعتاد الجميع فترة طفولته على تسميته “هشام ريكوردر” إشارة إلى قدرته العجيبة على حفظ الأغاني التي تظهر في الأفلام الهندية من المشاهدة الأولى. يرى عباس أنه قد تعرّض لما يُشبه التنويم المغناطيسي من أجل إقناعه بدراسة الهندسية الميكانيكية، أما هو فإنه يرى أن شخصيّة الفنان كانت في داخله منذ البدء.
بصوته الهائم وهو ينادي مجهولًا يسأله (وأنا وانا وانا، وأنا أعمل إيه؟ وأنا وأنا وأنا، وفي إيدي إيه؟) كانت مقدمة أغنية “وأنا أعمل إيه”، وهي الأغنية التي مدّت له جسور الشهرة عندما ضمها في ألبومه عام 1994 والذي حمل عنوان (تعالا).
مع 138 مرّة يردد فيها هشام عباس كلمة (أنا) طوال فترة الأغنية التي تتجاوز الدقائق الخمس بقليل، نعيش مع المغني حالة من استجداء المحب لمحبوبته. رغبة أصيلة بالوصال والوصول. رغبة بالحصول على المراد؛ قلب الحبيبة القاسي الذي يتمنّع عن من يحبها. بل انه قلب غامض يكاد يفترس مخيلة الحبيب وهو ينشدها أن ترق عليه. إن الهدوء والبطء الذي افتتحت به الأغنية لم يستمر طويلًا، فالانتقالة البارعة للموسيقى السريعة والصوت العالي كان هو ما أعطى المقدمة البطيئة رونقها أصلًا. الأغنية التي كانت من كلمات حسن الصيد وألحان ابراهيم فهمي، يمكنني الآن ومن نظرة منفصلة عن التأثير الزمني أن أسمّيها “أفضل أغنية بصوت هشام عبّاس على الاطلاق”.