“لا أحد سينظر من خلال هذا الزجاج ليرى شخص، بل يرون جريمة. أنا لست دايفد غيل، أنا قاتل ومُغتصب على بُعد أربعة أيّام من إعدامه”. هذا ما يقوله غيل ( يلعب دوره: كيفن سبايسي) للمُراسلة “بيتسي بلووم” (تلعب دورها: كيت وينسلت) في واحد من أيّامه الأخيرة على قيد الحياة. ربّما كان “ديفيد غيل” على حقّ، لكن دعوني هنا أقول: لا أحد سيشاهد “حياة ديفيد غيل” ليرى فيلماً، بل رائعة فنيّة. هذا أحد أكثر الأفلام التي تعرضت للظلم ولم تحظى بشهرة كافية رغم جودتها، وذلك بسبب مهاجمة النُقّاد له بكثافة كبيرة. لكن اليوم، نحن أمام سيناريو قوي، تمثيل عبقري وإخراج إبداعي يستكشف أمامنا واحدة من أكثر القضايا الشائكة في أمريكا بطريقة آسرة.
كان “ديفيد غيل” الأوّل على دفعته في “هارفرد”، كان قيادياً في جبهة الضغط لإلغاء عقوبة الإعدام في تكساس، كما كان بروفيسوراً في جامعة “اوستن”. الآن هو محكوم عليه بالإعدام لاغتصاب وقتل صديقته المقرّبة “كونستانس هالوي” (تلعب دورها: لورا ليني). تقوم المُراسة “بيتسي بلووم” بعقد ثلاث لقاءات مع “غيل” في آخر أربعة أيام يملكها في حياته بناءاً على طلبه. الفيلم يعتمد على استخدام الـflash back للعودة إلى تفاصيل حياة “غيل” والتي تكشف لنا شيئاً فشيئاً الأحداث التّي أدت به إلى هذا المصير المشؤوم.
كاتب الفيلم هو تشارلز راندولف، وهو بروفيسور في علم النفس في جامعة فيينا. القصّة كلّها عبارة عن إلتواءات twists تُجبر المشاهدين على تغيير رأيهم بعد كل حدث حول هويّة القاتل. رغم جديّة القضيّة التي يتناولها الفيلم إلّا أنه لم يخلوا من حس الدعابة في بعض الجُمل الشهيرة فيه.
أقوى جزء في السيناريو يظهر في نهاية الفيلم. عندما تدخل “بلووم” في سباق مع الزمن لاكتشاف ما الذي حدث فعلاً في مسرح الجريمة الأصلي. الثواني العشر الأخيرة من الفيلم توضّح رسالة الفيلم من خلال طرح تساؤلات عن مغزى الحياة. والحقيقة أنّ هذا الموضوع تم التطرق له في عدة مشاهد جيّدة خلال الفيلم فعلاً. مثلاً، في مشهد لـ”غيل” وهو يُلقى إحدى محاضراته، يقول: “الطريقة الوحيدة التي يمكن لنا الحكم فيها على قيمة حياتنا هي من خلال تقييم حياة الآخرين”.
***
نقاط ضعف:
رغم قوّة السيناريو المبهرة إلا أنه لا يمكنني التغافل عن نقطة الضعف الوحيدة في الفيلم. حيث تقوم المراسلة بالنوم في ليلة إعدام “غيل” بينما يتحوّل اليوم التالي إلى سباق مع الزمن. في الحقيقة لو كان هذا قد حدث فعلاً لما نامت ليلتها مهما بلغ تعبها.
هناك مثلاً الوجه العام للفيلم، بعض الأمور التي انتهت منذ التسعينات، مثل المُراسلة “بلووم” التي لا يمكنك أن تراها وهي تخوض محادثة ما إلّا وهي تمشي مسرعة في إحدى الردهات. المُرافق المتدرب لها الذي جاء لمهمة محددة بينما نجده يفعل كلّ شيء ما عدا تلك المهمة، ولا يتذمّر من ذلك أبداً. طريقة المُخرج في إلقاء ما يريد إلقاءه في وجهنا تماماً دون فرصة للتفكير العميق أحياناً.
لكن هذه كلّها لا تشكّل أسباباً للتقليل من قيمة الفيلم. وأنا أعتبره فعلاً من الأفلام التي ظُلمت تحكيمياً.
***
يُذكر أنّ دور “ديفيد غيل” كان مخصصاً لـ”جورج كلوني” قبل أن يرفضه ليصل الدور لـ”نيكولاس كيج” الذي رفضه لإنشغاله بمشاريع أخرى، ليصل الدور أخيراً لـ”كيفن سبايسي”. والحمدلله على ذلك بكلّ تأكيد، فمع عشقي لجورج كلوني لكنني لم أكن لأتخيّله في هذا الدور أبداً.
وفي هذا السياق نلاحظ في أداء الممثلة “كيت وينسلت” التي حافظة على لكنة أمريكيّة طوال الفيلم رغم كونها بريطانيّة الأصل. لكن الأهم في دورها هو التحول الدرامي لشخصيّتها والاختلاف الذي نشاهده ولا نشعر بتغيّره إلا في نهاية الفيلم فقط. لكنني عندما علمت بأن الدور رفضته من قبلها “نيكول كيدمان” تمنّيت لو أنّ الأخيرة قامت بأداءه فعلاً.
